هل تعلم أن الشرك بالله ليس ببعيد عنك ؟!
هل سبق لك وأن تشائمت من يوم معين أو رقم معين ؟
هل سمعت من يسب الأيام والزمن بسبب تكالب الهموم عليه؟
هل حلفت بالمصحف او بالنبي او بنعمة الله قبل ذلك؟
هل رأيت أحد يلبس أقراط او سلاسل بها عين زرقاء؟
هل ذهبت إلى مسجد الحسين ووجدت الناس يرددون" مدد " أو يتوسلون إليهم بحاجته؟
إذًا فهذا المقال لك.
الحمد لله رب العالمين، إله الأولين والآخرين، وجامع الناس إلى يوم الدين، المتفرد بالجلال والكمال والإكرام، لا إله معه ولا شريك، خلق كل شيء فقدره تقديراً، فله الحمد في الآخرة والأولى، والصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير؛ محمد بن عبدالله الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الكرام وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الشرك بالله أعظم ذنب عُصي الله به، فالله ذم الشرك في كتابه الكريم، وحذرنا منه أيما تحذير كيف لا وهو اتخاذ الند لله – تبارك وتعالى -، واعتبره من الكبائر الموبقة، فإن من أشرك بالله – تعالى – فقد افترى إثماً عظيماً، وضل ضلالاً بعيداً؛ نسأل الله السلامة والعافية.
فالواجب على المسلم أن يعيش حياته خائفًا من أن يقع في أي ذنب يغضب الله تعالى، ويسخطه، وأعظم ما يجب أن يخاف منه العبد، وأن يحرص على إتقائه، وأن يجاهد نفسه في البُعد عنه هو الشرك بالله؛ لأنه من أعظم الذنوب وأخطرها، وهو أظلم الظلم وأكبر الجرائم، وهو الذنب الذي لا يغفر، لقول الله تعالى : (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) وقال ايضا: (إن الشرك لظلم عظيم) ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اي الذنب عظيم قال: (أن تجعل لله ندا وهو خلقك).
معنى الشرك بالله:-
الشِّرْكُ بالله هو: مصطلح يشير إلى جعل شَريكٍ لله في العبادة والمُلك. ويعتبر الشِّركَ باللهِ أكبرَ الكبائر، ويسمى صاحبه مشركًا. والشرك والكفر قد يُطلقان بمعنى واحد وهو الكفر بالله أي: التكذيب والجحود بالله، وقد يُفرَّق بينهما فيُخَص الشرك بعبادة الأوثان أو النجوم وغيرها من المخلوقات مع اعترافهم بالله، فيكون الكفر أعم من الشرك.
أنواع الشرك:
الشرك بالله – تبارك وتعالى – ينقسم إلى قسمين:-
شرك أكبر يُخرج من الملة.
وهو صرف العبادة كليًا لغير الله، أو اعتقاد صفات الأولوهية والربوبية بشيء غير الله. وهذا النوع مخرج عن ملة الإسلام، صاحبه مخلد في النار إن مات على ذلك ولم يَتب.
شرك أصغر لا يخرج من الملة.
وهو نوع من أنواع الشرك، والذي لا يصل إلى الشرك الأكبر، ولكنه قد يؤدي إلى حدوث الشرك الأكبر، فالشرك الأصغر لا ينكر توحيد الله عز وجل والالتزام بشرائعه، وهو يعتبر من أكبر الذنوب بعد الشرك الأكبر، لكنه لا يخرج صاحبه من ملة الإسلام، ولا يخلد صاحبه في النار إن دخلها، ولا يحبط العمل إلا الأعمال غير الخالصة لوجه الله تعالى، ولا يبيح الدم أو المال، ويعامل معاملة المسلمين عند الممات
صور كل منهم:-
صور الشرك الأكبر
التعبد لغير الله - تعالى -بصرف أي نوع من أنواع العبادة لغيره.
وأكثرها انتشارًا: دعاء غير الله - تعالى - من الأموات سواء كانوا أولياء صالحين أو غير ذلك، أو دعاء أصنام, أو أحجار, أو أشجار, أو قبور, أو أضرحة, أو مقامات أو غيرها، ومنه اعتقاد أنها تنفع أو تضر وذكر الله تعالى في كتابه الكريم حال الكفار وهم يعبدون غيره فقال {وَلَئِن سَأَلتَهُم مَن خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُل أفرأيتم مَا تَدعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِن أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ, هَل هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَو أَرَادَنِي بِرَحمَةٍ, هَل هُنَّ مُمسِكَاتُ رَحمَتِهِ قُل حَسبِيَ اللَّهُ عَلَيهِ يَتَوَكَّلُ المُتَوَكِّلُونَ}.
عبادة القبور بالاستغاثة بمن فيها من الموتى، أو الطواف بها، وما يلحق بذلك أثناء الطواف من التمسح بها, أو تقبيل أعتابها وتعفير بعضهم وجوههم في ترابها, أو السجود لها أو عندها، فتراهم يقفون عندها متذللين متضرعين خاشعين سائلين حاجاتهم من شفاء مريض, أو تيسير حاجة, أو الحصول على وظيفة أو ولد، وكل ذلك من الشرك الأكبر لأن هذه حاجات لا يقدر عليها الأموات، وسؤالها منهم عبادة لا يجوز أن تصرف لغير الله - تعالى -.
الذبح لغير الله، قال - تعالى -: {قُل إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسلِمِينَ} (نسكي. أي ذبحي), وقال - صلى الله عليه وسلم - :(لعن الله من ذبح لغير الله) فمن ذبح لغير الله - تعالى -فقد أشرك سواء ذبح لولي, أو لقبر, أو لنبي أو لجني, أو لغيرهم.
السحر والكهانة والعرافة، قال- تبارك وتعالى -:{وَمَا كَفَرَ سُلَيمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحرَ َ} وكسب الساحر حرام, وحكم الساحر القتل ويشارك الساحر في الإثم الذين يذهبون إليه ليعمل لهم سحرا يعتدون به على الآخرين أو ينتقمون منهم، وكذلك لا يلجأ للسحرة لفك الذي عمله ساحر آخر، بل الواجب طلب الشفاء واللجوء إلى الله مثل المعوذات وغيرها من كلام الله في القرآن والأدعية الثابتة الصحيحة.
أما الكهان والعرافون الذين يدعون معرفة الغيب فهم كفار لأنه لا يعلم الغيب إلا الله- تبارك وتعالى -قال - صلى الله عليه وسلم - :(من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) هذا حكم من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه،
أما من يذهب إلى الكاهن أو العراف من باب التسلية أو التجربة دون أن يصدقهم فلا تقبل له الصلاة أربعين ليلة، أي أنه لا يؤجر على صلاته أربعين ليلة، مع وجوب أدائه لهذه الصلوات لتسقط عنه الفريضة بأدائها، ولكنه لا يؤجر عليها، قال - صلى الله عليه وسلم -: (من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة).
شرك المحبة أو الغلو في محبة المخلوقين ومعناه أن يحب المرء أحد كمثل محبته لله قال- تبارك وتعالى -:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبٌّونَهُم كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدٌّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَو يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذ يَرَونَ العَذَابَ أَنَّ القُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العَذَابِ} فمن أحب إنسانا, أو صنما, أو نظاما, أو غيره حتى أصبح يذل له ويقدم طاعته وحبه على حب الله - تعالى -وطاعته، ويقدم أمره ونهيه على أمر الله ونهيه، وقع في هذا النوع من الشرك بدون أن يشعر، فليحذر المسلم الغلو في محبة أي شيء كان، وليعلم أن كل طاعة وكل محبة يجب أن تكون مقيدة بأن لا تتعارض مع طاعة الله - تعالى -ومحبته، ولا تقدم أي طاعة أو محبة على محبة الإنسان لله - تعالى - وطاعته ومحبة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وطاعته. وللشرك الأكبر صور ومظاهر أخرى، ولكني ذكرت هنا أهمها وأشهرها.
صور الشرك الأصغر:-
يقول ابن القيم رحمه الله " وأما الشرك الأصغر: فكيسير الرياء، والتصنع للخلق، والحلف بغير الله، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من حلف بغير الله فقد أشرك ـ وقول الرجل للرجل: ما شاء الله وشئت، وهذا من الله ومنك، وإنا بالله وبك، وما لي إلا الله وأنت، وأنا متوكل على الله وعليك، ولولا أنت لم يكن كذا وكذا وقد يكون هذا شركاً أكبر بحسب قائله ومقصده، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال لرجل قال له ما شاء الله وما شئت: أجعلتني لله نداً؟ قل: ما شاء الله وحده ـ وهذا اللفظ أخف من غيره من الألفاظ... ومن أنواعه: الخوف من غير الله، والتوكل على غير الله، والعمل لغير الله، والإنابة والخضوع والذل لغير الله، وابتغاء الرزق من عند غيره، وحمد غيره على ما أعطى، والغنية بذلك عن حمده سبحانه، والذم والسخط على ما لم يقسمه، ولم يجر به القدر، وإضافة نعمه إلى غيره" .
التمائم الشركية :- وهو ما يعلق على الصبيان وغيرهم اتقاءَ العين ونحوها وحرزاً من أذى الناس وضررهم، والرقى الشركية، التي يكون فيها سحرٌ أو شَبَهٌ من السحر، وطلاسمُ غير مفهومة، كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود: (إِنَّ الرُّقَى، وَالتَّمَائِمَ، وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ)
الرّياء في العبادات والأعمال: ومعنى ذلك أن يقوم الإنسان في عباداته وأعماله وهو يرائي الخلق بمعنى يشركهم في النّظرة إلى عمله بحيث يكون خاشعًا أمام النّاس، أمّا في غيبتهم لا يكون كذلك، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)
الحلف بغير الله:- من صور الحلف بغير الله الحلف بالنبي عليه الصلاة والسلام، وبالكعبة المشرفة، أو الحلف بالشرف، أو الجاه، وهذا كلّه ممّا حذّر منه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال: (من حلف بغيرِ اللهِ فقد كفرَ أو أشركَ)
التطيّر:- يُقصد بالتطيّر شرعاً التشاؤم، فهو سببٌ من أسباب عدم التوكّل على الله -عز وجل-، ومثاله: أن يذهب أحدٌ لسفرٍ أو تجارة، فيرى أمامه حادث سيارة، فيتشاءم ويعتقد في قرارة نفسه أنّ لهذا الأمر سببٌ في إفشال سفره أو تجارته، ويعتقد أنه سيصيبه المكروه إن أمضى ما يُريد، فيُصيبه التطيّر الشّركي، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ ردَّتْهُ الطِيَرَةُ عن حاجتِهِ فقدْ أشرَكَ، قالوا: يا رسولَ الله وما كفارَةُ ذلِكَ؟ قال: يقولُ: اللهمَّ لا طيرَ إلَّا طيرُكَ، ولَا خيرَ إلَّا خيرُكَ، ولَا إلهَ غيرُكَ)
سبّ الدهر:- يعدّ سبّ الدهر من الشرك الأصغر، كأن يسبّ الشخص الأيام والسنين مع اعتقاده في قرارة نفسه أنّ الله هو الذي يخلق الأيام ويُقلّبها كيف شاء، وأنّ الله هو النافع والضار وحده، فيقول أحدهم مثلاً: "لما ولدت كان يوم بؤس علينا"، و "يوم نحس عندما رأيتك"، أو تنزل به بليّة ومشقّة فيسبّ ذلك اليوم.
وسبّ الدّهر وسيلة للشّرك الأكبر، وذلك بأن يعتقد الإنسان أنّ الدهر هو المتصرّف فيه، وهو الذي يضرّه وينفعه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَسُبُّ أحَدُكُمُ الدَّهْرَ، فإنَّ اللَّهَ هو الدَّهْر) وقد قيل: "تحريم سب الأيام والليالي لا لكونها تشعر بذلك فتحزن منك، ولكن سب الأيام والليالي يلزم منه السب لمسببها وهو الله سبحانه"
قول لولا الله وفلان مثال ذلك قول: لولا الكلب لأتانا اللصوص، أو لولا البط في الدار لأتانا اللصوص، أو قول لولا فلان، أو لولا الله وفلان لحصل كذا وكذا، وقد ورد عن ابن عباس -رضي الله عنه- في تفسير قول الله تعالى: (فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) أنّ المقصود بالأنداد الشرك الأصغر.
التوبة من الشرك:-
التوبة من الشرك الأكبر:-
إن الشرك أعظم ذنب يعصى به الله تعالى، والتوبة منه تكون بالشهادتين والرجوع إلى توحيد الله تعالى وإخلاص العبادة له وحده لا شريك له، فمن وحد الله وترك ما كان يشرك به من دون الله أصبح مسلما، قال صلى الله عليه وسلم: مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. رواه مسلم.
وفي رواية له: ( مَنْ وَحَّدَ اللَّهَ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ حَرُمَ دَمُهُ وَمَالُهُ )
التوبة من الشرك الأصغر:-
فتكون بتركه والإقلاع عنه، وإخلاص العبادة لله، فالتوبة من الذنوب الصغيرة والكبيرة يغفِرُها الله تعالى له كما قال الرسول صل الله عليه وسلم «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ»،
فاطمه السيد محمود